المجتمع المدني في ليبيا بين سندان القوانين ومطرقة العراقيل…
في نوفمبر 1953 صدر القانون المدني الذي احتوى على 15 مادة خاصة بالجمعيات وهي المواد 54 إلى 68، وهذه المواد أعطت الجمعيات حرية، ولم تسمح للجهات التنفيذية برقابة وحل الجمعيات، وأوكلت أمر حل الجمعيات إلى المحاكم الابتدائية، بناء على طلب أحد الأعضاء أو أي شخص آخر ذي مصلحة أو النيابة العامة.
ثم بعد عام من انقلاب سبتمبر 1969 صدر القانون رقم 111 لسنة 1970 بإلغاء المواد من 54 وحتى 68 من القانون المدني الخاصة بالجمعيات، ومن ثم قمع حق تكوين الجمعيات الذي تكفله المواثيق الدولية، وهذا القانون صدر عن مجلس قيادة الانقلاب وبتوقيع من معمر القذافي…. ثم صدر القانون رقم 19 لسنة 2001، والذي قمع هو الآخر حق تكوين الجمعيات.
وبعد ثورة 17 فبراير، وفي الإعلان الدستوري لسنة 2011 ضمن حق الأفراد في تكوين الجمعيات حيث نصت المادة رقم (15) على أن (تكفل الدولة حُرية تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات وسائر مُنظمات المُجتمع المدني، ويصدر قانون بتنظيمها، ولا يجوز إنشاء جمعيات سرية أو مسلحة أو مُخالفة للنظام العام أو الآداب العامة، وغيرها مما يضر بالدولة ووحدة التراب الوطني).
كما أن هذه المادة زادت من اتساع هذا الحق إلى حق الفرد في تكوين النقابات والاتحادات وسائر المنظمات الأخرى، ويُدعم هذا الحق بالقانون رقم 23 لسنة 1998م بشأن النقابات والاتحادات والروابط المهنية، بالإضافة إلى اتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، والتي صادقت عليها ليبيا عام 1962م، والتي تنص في موادها على حق تأسيس النقابات والاتحادات المدنية.
وفي سنة 2011 أصدر مجلس الوزراء قرار رقم (12) لسنة 2012 ميلادياً بإنشاء “مركز دعم منظمات المجتمع المدني” وتكون له الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، ويتبع وزارة الثقافة والمجتمع المدني يكون المقر الرئيسي للمركز بمدينة بنغازي، ويجوز لمجلس الإدارة إنشاء فروع للمركز داخل ليبيا، وتشكلت مفوضية المجتمع المدني، وبدأت في تسجيل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، وصدرت اللائحة التنظيمية تحت قرار رقم (1) لسنة 2016 فيه عدة اشتراطات منها ثلاثة أعضاء على الأقل المؤسسين في مجلس إدارة المنظمة.
وفي فترة الانقسام السياسي بليبيا الذي أثر بدوره حتى على عمل مفوضية المجتمع المدني، وانقسمت بين الشرق في بنغازي والغرب في طرابلس؛ أصدر المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج عدة لوائح منها لائحة التنظيمية لعمل مفوضية المجتمع المدني تحت رقم (286) لسنة 2019، وازدادت الشروط من ثلاثة أعضاء مؤسسين إلى عشرة أعضاء، كما صدر عدة عراقيل أخرى من مفوضية طرابلس حسب بعض منظمات المجتمع المدني التي حاولت الحصول على إشهار أو تجديد القيد.
أثر ذلك تقدمت المنظمة الليبية للإعلام المستقل والمركز الليبي لحرية الصحافة وبدعم المنظمات الشريكة بطعن أمام القضاء المستعجل حول بطلان القرار الإداري رقم (286) الصادر في عام 2019 من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لمخالفته القانون الليبي والإعلان الدستوري؛ وصدر في 18 يوليو 2022، من القضاء المستعجل ببنغازي في ليبيا بتعليق القرار المعني مؤقتاً لعدم دستوريته.
بعد ذلك طلبت مفوضية المجتمع المدني طرابلس رأياً قانونياً من إدارة القانون حول العمل باللوائح السابقة قبل إيقاف قرار (286) من قبل القضاء في الشق المستعجل في بنغازي، وردت إدارة القانون بتاريخ 8 مارس 2023 على المفوضية برأي قانوني مفاده “عدم شرعية كافة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي لم يتم تأسيسها على أحكام قانون رقم (19) لسنة 2001.
وفي تطور الأحداث طالبت حكومة الوحدة الوطنية في تعميم من كل الوزارات والهيئات والجهات العامة الالتزام برأي إدارة القانون، وثم عادت في منشور رقم (7) لسنة 2023 طالبت المنظمات المحلية والدولية بالتواصل مع لجنة “دراسة شهر الجمعيات الأهلية” تنفيذا لأحكام قانون رقم (19).
بينما يرى المستشار القانوني “حافظ السنوسي” بأن مفوضية المجتمع المدني (طرابلس) المنشئة بموجب قرار المجلس الرئاسي رقم 1605 لسنة 2018م بإعادة تنظيم مفوضية المجتمع المدني، هي أيضا غير شرعية، ذلك بأن القانون رقم 19 لسنة 2001م المشار إليه حدد على سبيل الحصر الجهة التي تشهر وتشرف على الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، ولم يفوض السلطة التنفيذية لإنشاء جهة تشرف على منظمات المجتمع المدني.
ومن المثير للجدل هنا بأن الإعلان الدستوري في المادة (34) قالت “تُلغى الوثائق والقوانين ذات الطبيعة الدُّستُورية المعمول بها قبل العمل بهذا الإعلان” والمادة (35) جاء فيها” يستمر العمل بجميع الأحكام المُقررة في التَّشريعات القائمة، فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الإعلان إلى أن يصدر ما يُعدلها أو يُلغيها” وكما نص قانون العدالة الانتقالية رقم (29) لسنة 2013 في المادة (6): بطلان التشريعات الظالمة وعدم مشروعيتها. يعد دون وجه حق تعطيل الحياة الدستورية في ليبيا، وتعد التشريعات التي أصدرتها النظام السابق تعبيرا عن رغباته ودون أساس شرعي أو دستوري من التشريعات الظالمة، وتعتبر لاغية وغير دستورية منذ صياغتها، ولا يصح التذرع بها في مواجهات الحقوق الثابتة، ويجب معالجة آثارها السلبية على الفرد والمجتمع”.
أما المحكمة العليا في حكمها لطعن في سنة 2013 بأن الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها ليبيا تعلو على القوانين الداخلية وأقل مرتبة من الدستور، وبما أن ليبيا موقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في سنة 1970م، والمادة (22) التي تقول: لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
واستنادا إلى ما سبق فالمشكلة الرئيسية للوضع القانوني لمنظمات المجتمع المدني بأن الجهة التشريعية في ليبيا منذ سنة 2011 إلى الآن لم تعمل على إلغاء التشريعيات القمعية القديمة التي تكبل الحريات العامة، ولم تصدر قوانين تضمن حرية العمل المدني، ويلائم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها ليبيا والتزاماتها بتنفيذها، رغم تقديم عدة مقترحات من قبل عدة منظمات للجهة التشريعية، لكنها ضلت في أدرج مجلس النواب.
أهم المصادر:
1. الإعلان الدستوري �https://security-legislation.ly/ar/law/32001�2. قانون رقم (29) لسنة 2013 �https://security-legislation.ly/ar/law/32096�3. لوائح مفوضية المجتمع المدني (بنغازي)�إجراءات المنظمات الليبية | المفوضية المجتمع المدني ليبيا (ccslibya.com)�4. لوائح مفوضية المجتمع المدني (طرابلس) �منصة مفوضية المجتمع المدني | طرابلس – ليبيا (ccs.ly)

By Siraj

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *